كتب سمير ديلو على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، ال تدوينة التالية، في تعليق على إستدعاء القائمة بأعمال السفارة الأمريكية بتونس، بشأن تصريح الخارجية الأمريكية، بخصوص نتائج الإستفتاء على الدستور الجديد:
لا للتّدخّل الأجنبيّ في شأننا الدّاخليّ ، ولكن ..
من فتح الباب ..!؟
أحترم من يغارون على السّيادة الوطنيّة ويرفضون التّدخّل الخارجيّ بشكل مبدئيّ .. دون انتقائيّة ودون توظيف رخيص ..!
وقد بدا في غمرة الحملات المناهضة للمواقف الغربيّة ( وخاصّة الأمريكيّة ) النّاقدة لمضمون دستور سعيّد ومسار " المصادقة " عليه .. أنّ التّنافر واضح وجليّ - لدى البعض على الأقلّ ( من باب التّنسيب والإحتياط ) بين فائض الحماس .. وفقر المصداقيّة ..!
فالإكتفاء بالإحتجاج على " التّدخّل الأجنبيّ في شؤوننا الدّاخليّة " دون التّوقّف عند أسبابه بموضوعيّة وهدوء ، هو كالإكتفاء بمعاينة أعراض المرض دون ربطها بمسبِّباتها ..
ولا شكّ أنّ مواقف بعض الجمعيّات والمنظّمات والأحزاب والشّخصيّات الوطنيّة متوقّعة ومحترمة فهي ترفض الإملاءات الخارجيّة ولكنّها لا تُبرّر رفضها بشهادة الزّور التي يعتمدها بعض المسؤولين في الدّولة ( وجوقة المطبّلين للسّلطة الحاليّة ) ومُفادها أنّ " هذه المواقف الدّوليّة تستهين بإرادة شعبنا الأبيّ الذي عبّر عن موقفه بحرّيّة من الدّستور الجديد وصادق عليه عبر آليّة الإستفتاء ..!" ، و أنّها تأتي بتحريض " ممّن باع ذمّته وهلّل لمثل هذه الممارسات الدّنيئة وشارك في تزييف الحقائق .." ..
وليكن الأمر واضحا منذ البداية : وحدهم عديمو الحجّة ( والأخلاق أحيانا ) ينعتون مخالفيهم سياسيّا بالعمالة ، فالوطنية كالعقيدة الدّينيّة لا مزايدة فيها ولا مفاضلة ، وتوظيفها في الصّراع السّياسيّ هو خطوة إضافيّة في مسار تقسيم اعتباطيّ للتّونسيّين بين شعب الصّادقين المعنيّين بالعلوّ الشّاهق والعبور إلى الضّفّة الأخرى من التّاريخ .. وشعب المناوئين المستقوين بالأجنبيّ المتمسّحين على أعتاب السّفارات ..
الطّريف في رفض هؤلاء ل " التّدخّل الأجنبيّ غير المقبول في شؤوننا الدّاخليّة " و أنّ " السّيادة خطّ أحمر " هو أنّه انتقائيّ لا مبدئيّة فيه وأنّ المحدّد الرّئيسيّ فيه ليس التّدخّل في حدّ ذاته .. بل مضمونه ..! وكلّ مساندة لمسار سعيّد مهما توغّلت في شرايين شأننا الوطنيّ لا تثير مريدي الرّئيس وتنسيقيّاته وتفسيريّاته ..
فتدخّل محمود عبّاس ، مباشرة بعد " الإستفتاء " ، مقبول ومحمود ومُرحّب به ما دام مُبارِكا مُهلّلا مُوافقا ، و كذلك تدخّل بعض الدّول العربيّة وخصوصا السّلطة المصريّة مرارًا وتِكرارا، أمّا مواقف بعض الدّول الغربيّة فمحلّ احتفاء وتضخيم وإشادة بمجرّد أن تحمل مُبارَكة - و لو ضمنيّا و على استحياء - لخطوة من خطوات سلطة سعيّد .. وحتّى المواقف النّاقدة لتفرّد سعيّد بكلّ الصّلاحيّات و جميع السًلطات لا تحظى كُلّها بنفس فورة الحماس الغاضب ..
فبعض " التّدخّل السّافر " و التّقريع الأجنبيّ يسقط في التّرجمة العربيّة للبيانات و التّصريحات وبعضها تفضحه مقارنة سريعة بين بلاغات الرّئاسة ووزارة الخارجيّة من جهة وبلاغات النظراء الأجانب .. فالذين انتفضوا حَمِيّة و انتصبت على هاماتهم " شعرة النّخوة الوطنيّة " بعد بلاغ وزارة الخارجيّة الأمريكيّة و تصريحات السّفير الأمريكيّ المعيّن المنتقدة لملابسات الإستفتاء و الأخطار المحدقة بالحقوق و الحرّيّات ، لم يُحرّكوا ساكنا ووزير خارجيّة التّدابير الإستثنائيّة يقدّم تقريرا لوزيرة الخارجيّة الكنديّة حول الإستفتاء مُدخِلا إيّاها بشكل سافر في شأن داخليّ وطنيّ ، فما دام قد طمأنها على أنّ" الخيار الديمقراطي في تونس
والمكاسب التي تحققت في مجال حقوق الانسان والحريات مبادئ لا رجعة فيها ولا تراجع عنها، لدى تطرقه إلى نتائج عمليّة الاستفتاء على الدستور التونسي الجديد التي تمّت في كنف احترام القانون والنزاهة والشفافية " .. لماذا يستكثر عليها أن تّعبّر في تقرير وزارتها عن مجريات اللقاء ( بما تسرّب خارج بلاغ وزارته ) عن " انشغالها بخصوص احترام المبادئ الدّيمقراطيّة وأهمّيّة تنظيم انتخابات تشريعيّة و تكوين حكومة منتخبة وممثّلة في أقرب الآجال طبقا لتطلّعات الشّعب التّونسيّ ودعمها لمسار سياسيّ إدماجيّ وشفّاف يحافظ على المكاسب الدّيمقراطيّة التّونسيّة ويخدم كافّة التّونسيّين " .. ، أدخلتموها فدخلت ..!
لا شكّ أنّ لهؤلاء " أمّك صنّافة للتّدخّلات " فبعضها تدخّلات حميدة و وبعضها الآخر تدخّلات خبيثة : ولا غرابة حينها في أن يكون تدخّل السّيسي بشكل سافر في شأننا الوطنيّ الدّاخليّ حين " أكّد دعمه لإجراءات سعيّد " معقولا ومقبولا تماما كتدخّل سعيّد في الشّأن الدّاخليّ المصري بتصريحه في لقائه برئيس الوزراء المصري : " السّيسي اختصر المسافة في الزّمن والتّاريخ وأنقذ مصر "..! ،
و يكون من حقّ رئيس بعثة جامعة الدول العربية أن " يأخذ راحته " في تقييم استحقاق انتخابيّ تونسيّ فيجزم بأنّ : " الإستفتاء دار في كنف النزاهة والشفافية " خلافا للاتّحاد الأوروبي الذي يرتكب جرم " التّدخّل السّافر " بإعلانه أنّ : " نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور المقترح ضعيفة و أنّ توافقا واسعا بين مختلف القوى السياسية بما في ذلك الأحزاب السياسية والمجتمع المدني يعدّ أساسيا لنجاح مسار يحافظ على المكاسب الديمقراطية".
ليس أخطر من الشّعبويّة لدى بعض المتذاكين الذين لا تستيقظ لديهم غريزة رفض التّدخّل الخارجي - فيسارعون بالتّنديد والتّهديد والوعيد - إلا متى كان ناقدا لما يدافعون عنه فإن دعّم وبارك سارعوا إلى ..التزام الصّمت ..!
ما مِن تونسيّ فخور بانتمائه لوطنه - دون لوثة شوفينيّة ولا نعرة تطاول شعبويّ لفظيّ - إلاّ تجده متمسّكا باستقلال قراره الوطنيّ رافضا للإملاءات الخارجيّة مهما كان مضمونها ومأتاها ولكن ..
وحدها الدّول التي تغلّب مقتضيات نجاح العيش المشترك و تحلّ مشاكلها وأزماتها بالحوار والإحتكام للدّستور و لا تجعل بلدانها مجرّد ملفّ لدى الجمعيّات الحقوقيّة والآليات الأمميّة المعنيّة بمواجهة الإنتهاكات ، أو لدى الصناديق والآليّات المعنيّة بالإقراض .. هي القادرة على قول : لا عالية ومدوّية .. وذات مصداقيّة لكلّ من تسوّل له نفسه المساس بسيادتها أو التّدخّل في قرارها الوطنيّ ..
و لكي يكون الخطاب الرّسميّ متمتّعا بالحدّ الأدنى من المصداقيّة فعليه أن لا ينسب للشّعب التّونسيّ مسارا فرديّا سُلطويّا في بدئه ومنتهاه ..
الخيارات خيارات قيس سعيّد والقرارات قراراته والدّستور دستوره والهيئة التي أشرفت على الإستفتاء هي هيئته التي اختار أعضاءها بنفسه والقضاء الذي يراقب العمليّة الإنتخابيّة ويبتّ في الطّعون المترتّبة عنها هو القضاء الجريح الذي ينزف تحت وقع الطّعنات ال57 التي وجّهها له قيس سعيّد ، و التّتبّعات اليوميّة للمدوّنين بتهمة " إتيان أمر موحش تجاه رئيس الجمهوريّة " هي سياسة سلطة قيس سعيّد ، والمحاكمات الدّوريّة للمحامين و النّوّاب و الصّحفيّين و المعارضين أنا القضاء العسكريّ هي بقرار من سلطة سعيّد..
وحينها تكون العبارة الأنسب والأصدق : لا تتدخّلوا في سياستنا الدّاخليّة .. التي قرّرها شخص وحيد .. هو قيس سعيّد ..!
أمّا الذين يقترن لديهم التّعبير عن حسّهم الوطنيّ الجيّاش بتخوين خصومهم السّياسيّين ، فيحقّ فيهم قول معروف الرّصافي :
Tags:
أخبار